البنت أم أبيها، وحبيبة أمها، ودلوعة الأقارب، ماذا عن الولد إذا، ألا يحبه أحد؟ هذه المعادلة الصعبة موجودة في كل بيت، حتى بات انطباع الناس أنّ تربية البنات أيسر. ولكن الحقائق غير ذلك، فالبنون زينة البيوت مهما كان جنسهم.
تعتمد الأم على البنت لرعاية أخيها الذي يصغرها بعامين، فهي في الرابعة وهو في الثانية، ولكن أمهما تعلم الفتاة أن ترعى أخيها الصغير وتقوم بواجب الأم تجاهه. هذا النمط من التربية ينمي في البنت شعورا بالمسؤولية وفي الولد شعورا بالاتكال على الآخرين، وهو أحد بدايات “تنمّره” وخروجه عن سلطة الأسرة وأوامرها، وهو ما كشفت عنه المتخصصة في شؤون التربية باولا سبنسر في دراسة نشرتها على موقع “بيرنتنغ” الأمريكي الخاص بشؤون الأسرة والتربية.
“هناك فروق بين طرق تعاملنا مع البنات والأولاد داخل الأسرة، ربما منذ يوم ولادتهم، فنحن نخاطب الفتاة برقة ولطف، فيما نحشرج بلهجة خشنة ونحن نلقي الصبي الذي عمره سنة في الهواء ونصرخ فرحا ونحن نتلقاه في الأحضان” بهذا الوصف كشف البروفسور ديفد شتاين أستاذ علم النفس في جامعة فرجينيا عن حقيقة مفادها أنّ الأسرة هي من تضع الفوارق في التربية، والتي ينجم عنها انطباعٌ بأن تربية البنت أسهل من تربية الولد، الأسرة تربي الولد على القوة والعناد والرفض لكي لا يكون في المستقبل “رجلا ضعيفا” ثم يشكو الأبوان من عناد ابنهما، مقارنة برقة ابنتهما وطاعتها!! لكن الدراسة المنشورة على موقع “بيرنتنغ” ذهبت باتجاه تأكيد الفوارق بين الإناث والذكور منذ ولادتهم واصفة الفرق باختلاف” نظام تسليك الأعصاب والأحاسيس في رأس كل منهما”.
وقسّمت الدراسة الفروق من خلال التصنيف التالي:
النظم والنظام والانتظام
الأولاد هم الأصعب في الانخرط في هذه الضوابط، والسبب يرجع إلى عامل فسيولوجي يتعلق بتفوق أجهزة السمع عند البنات في التقاط أوامر الوالدين والبالغين وتوجيهاتهم وتحويلها إلى أفعال والاستجابة لها، وضمن ذلك بالطبع عبارات التحذير والتشجيع، فحين تقول لها “لا تفعلي ذلك يا زينة!” وتمتنع عن فعل الشيء فعلا، فتردف كلامك بعبارت الثناء المقرونة بابتسامة الرضا “أحسنتِ زينة، بنتي المحبوبة الغالية!”، تنطبع الكلمات في ذاكرتها عبر جهاز السمع الواعي الذي تمتلكه.
مقابل ذلك لا يستجيب الولد لتوجيهات الوالدين، ويتطلب إقناعه أحيانا تدخلا يدويا مباشرا من أحدهما، فحين تخاطب الأم ولدها بالقول”أحذر يا فريد، لا تقترب من التلفاز!” ، لا يبالي فريد بكلمات أمه ويمضي زاحفا إلى الشاشة العملاقة محاولا استكشافها بأنامله الغضة، ولن يرتدع إلا بقيام أحد الوالدين والتقاطه باليد وإبعاده عن التلفاز.
السلامة البدنية
توصف البنت بأنها رقيقة الجسد رقيقة المشاعر، وينمّي الأبوان فيها هذا الشعور، فتحرص على أن لا تعرّض نفسها للانجراح الجسدي والمعنوي. في المقابل حين يقترب الولد من أبيه شاكياً “بابا لقد جرحتني الطاولة” وعارضا لخدش غير ظاهر في يده، سيستجيب الأب بالقول “فريد ولد شجاع قوي لا تخيفه الطاولة” وهكذا يتعلم فريد أنّ إظهار التألم والتشكي لا يليق به، فلا يعود يهتم لمسيره وهو يصطدم بالأشياء ويسقطها أرضا، فيشتكي الوالدان من إهماله وعدم عنايته بالأشياء! وفي هذا الخصوص تحدث الدكتور حميد الهاشمي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة العالمية بلندن لـ DW عربية مبينا أنّ المجتمعات القديمة كانت تربي الأولاد على الخشونة ليحموها في الكبر من الغزوات والأعداء، فيما ربت تلك المجتمعات البنات على الخجل والتواري لحمايتهن من احتمال الإنجراح والأذى، خاصة أنهنّ كنّ يتعرضن للسبي والخطف أيام الغزوات والمعارك، وهو نفسه ما أشاع ظاهرة الوأد قبل ظهور الإسلام.
التواصل مع الناس ومع الأشياء
الطفلة الوليدة تنظر بعناية إلى الألوان المشرقة والملامح والحركات التي تظهر على وجه أمها أو أبيها، فيما يهتم الولد بالأشياء المتحركة، سلك الهاتف وهو يزحف على الأرض، أو الهاتف النقال وهو يومض بالإشارة. نتيجة هذه البدايات البيولوجية، تكبر البنت وهي تفضل التعامل مع الناس وتستجيب لأفعالهم، فيما يكبر الولد وهو يتعامل مع الأشياء ومع الأفعال ويستجيب لها. البنات ينظرن في عين من يكلمهن، فيما يركز الأولاد على أشياء أخرى غير وجه المخاطِب.
الثقة بالنفس والوعي بالذات
تسعى البنت دائما إلى إثارة بهجة الآخرين وانتزاع إعجابهم لتحصل على ثنائهم أو مكافآتهم، ولكن هذا الأمر بالذات سيكون سببا يدفعها لتجاهل مطالبها الذاتية وتجنب إزعاج الآخرين بمطالب ورغبات قد لا تروق لهم، ويحصل ذلك على حساب حاجاتها البسيطة، وبهذا تفقد البنت تدريجيا شعورها بالثقة بالنفس وتتعود تجاهل ذاتها، وتعتمد تماما على رأي الآخرين وتوجيهاتهم.
كما تبدأ معاناة البنت من جسدها وخشيتها من حصول نواقص في هيئتها وشكلها منذ أيامها الأولى وهي تراقب أمها واقفة أمام المرآة وهي تتأمل جسدها الذي فقد رشاقته بسبب الحمل والولادة والإرضاع، وتحفظ البنت تعابير الأسى والحزن التي تظهر على وجه أمها بسبب ضياع الجمال وغياب الرشاقة، فينمو عندها شعور بالحرص على نفسها، ما يدفعها لسرعة الامتثال لأوامر ونواهي الأم والأب بشان آداب الطعام والنظافة والأناقة.
خلاصة المعادلة الصعبة، أنّ الأهل حريصون على أن تكون البنت رقيقة لطيفة فيزرعون فيها هذا الشعور، وهو ما يفسر سهولة استجابتها للقيم التربوية، فيما يحرص الأهل على أن يكبر الولد على قيم الرجولة والقوة والاعتماد على النفس وعدم المبالغة في العناية بالمظهر والشكل، فينمو على الرفض والتمرد والتنمر.
المصدر